29 - 06 - 2024

إيقاع مختلف| محمود حسن .. المبدع الأنيق

إيقاع مختلف| محمود حسن .. المبدع الأنيق

"نحن نكتب حتى تصبح الحياة ممكنة لأن الإبداع الحقيقى هو رفع لقيمة الجمال درجة لأعلى فالإبداع هو لون من ألوان مقاومة القبح والانتصار للجمال، ويخطىء من يظن الجمال عرضا زائلا لأنه جوهر أصيل شأنه شأن الحق والخير وبقية القيم الكبرى فى الحياة" هذه المعانى تظل ماثلة فى ذهنك ووجدانك طوال رحلتك فى قراءة محمود حسن شاعرا أو الاستماع إليه متغنيا بأشعاره،أو ينبغى لها أن تظل ماثلة فى ذهنك،لأنها المفتاح الرئيس لدخول هذا العالم الشعرى الخاص بشاعر صاحب رؤية جمالية خاصة.آآ 

وأنت تستطيع أن تعثر فى مجموعته الشعرية "سفر التوسل" على صورة واضحة لوجدانه الإنساني وورؤيته الإبداعية ومفهومه للشعر والإبداع.،

وأولى السمات التي يمكنك ان تضع يديك عليها عند قراءة محمود حسن أنك أمام شاعرٌ أنيق، ونحن عادة نقول عن المدرسة الشامية في الشعرالعربي إنها هي"المدرسة الأنيقة" التي تُعني بالمُفردة وبالصورة وبالفكرة بصورة بالغة الأناقة، وكأنها تغسل الكلمة، وتمسح على وجه الصورة وتُوضِّئ الفكرة قبل أن تضعها في قصيدة.

ونحسب أن شاعرنا محمود حسن هو شاعر يعكس الوجه الأنيق للقصيدة العربية في تجلِّيها المصري، وذلك دون أن تكون أناقة قصيدته تكرارا لأناقة القصيدة عند سعيد عقل أو بشارة الخورى أو حتى نزار قبانى.آآ 

هو شاعر يلتقط الإحساس الأكثر رهافة ويمنحه التعبير الأكثر تأنقا ليمنحنا نحن الإحساس بجمال الإبداع وبعذوبته.

يقول في القصيدة التي يفوح فيها عطر ابنته رتاج:

عُشّا يمامٍ عالقانِ بشرفتي

ونٌخيْلة وسحابة تتنقّلٌ

و رتاجٌ تصحو في الصباح كقبْلةٍ

تَهَبٌ الحياةَ لبيتنا وتجمّلٌ

(اصح ) .. أبي

وتشدُّ من فوقي الغِطاء

كأنما فتَقَ السماءَ مُنزَّل

فأقومُ أفتحُ ساعديَّ لحضْنها

أتقبَّلُ الضمَّ الجميلَ وأُرْسِلُ

لو يعلم الأبناءُ أنّ وجودنا

رهنُ ابتسامةِ ثغرهم لم يبخلوا.

محمود حسن إذن شاعر أنيق المُفردة، أنيق الصورة، أنيق الفكرة؛ وهذا لا يعنى أنه ينفصل عن الواقع وتضاريسه ونتوءاته وصراعاته، وإنما يعنى أنه قادر على الاشتبالك مع أعقد قضايا الواقع وأكثرها إيلاما بأسلوب لا يزيد الواقع قتامة وتعقيدا وقبحا بل برؤية تستبدل بالقبح الجمال وبالتعقيد الرهافة وبالألم المتعة، لذلك فالقصيدة عنده تمتعنا حتى حين توجعنا.

هو لا يتورط فى الواقع تورط من يزيد الواقع وطأة، ولا ينفصل عنه انفصال من يصنع لذاته برجا بللوريا يعيش فيه، وإنما هو يحرضك على أن تسعى معه إلى تغيير وجه الواقع وعدم الاستسلام لقبضته الثقيلة المؤلمة. حتى عندما يذهب إلى التراث ليستوحيه فإنه يستوحي أكثر أفكار التراث طرافة وأناقة ويستوحي هذه الفكرة أو هذه المفردة التراثية بشكل أنيق.

ولأنه شخصية بالغة الإيجابية، فإنه حمل على عاتقه رسالة تقديم مؤسسة إبداعية نقدية أنيقة، هى مؤسسة الكرمة التى تقدم مبادرات متوالية، فهذه احتفاليات بكبار المبدعين المصريين والعرب، وهذا وسام الوفاء، وهذه سلسلة نقدية معاصرة، وهذا مشروع لرعاية المبدعين الشباب، وهذا بروتوكول للتعاون مع جامعات وهيئات، إلى آخر تجليات العمل الثقافى الجاد الأنيق، وأشهد أنى أستمتع بالمشاركة فى هذه التجليات، استمتاعى بقراءة أعماله المتوالية، التسبيح بالجسد، العباسة، وطبعا سفر التوسل.
---------------------
بقلم: السيد حسن

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة





اعلان